كان عطاء الله عظيما.. قصرا وخدما وحشما.. وبيارة برتقال.. وما زال شابا يفرح به أهله عريسا.. مواويل الطرب والرقص والغناء.. وليال سبع فرحت بها المدينة.. فباعُ الشاب طويلة في دروب الخير.. إلا أنه في الليلة السابعة من ليالي الغناء والرقص والطرب.. اختلط صوت المغنين.. وفرحة الراقصين بصوت رصاص المحتلين.. فتفرق الناس وتبدّلت آآآآآآآآهات الطرب.. بآآآآآآآآآآهات الألم والوجع.. وهرب كل بروحه يسأل الله السلامة.. ويا روح ما بعدك روح.. وبدلا من أن يحمل الشاب عروسه إلى السرير.. حملها ليهرب وينجو بعرضه سليما خوفا من أن ينكشف على محتل لئيم. اعتلى ظهر مركب يمسك بيد عروسه.. فالشاب شهم والعرض غالٍ ثمين. وصل إلى مدينة بيروت.. ونزل في ساحة مع آلاف المُهجّرين.. كانت عتمة قلبه تزيد على عتمة الليل حقدا على عدو مغتصب حقير. قالت العروس أين ننام؟ جلس على الأرض ونامت على فخذه.. تحلم بقصر السعادة الذي لم تنعم به سوى أيام عددها قليل. بعد منتصف الليل استيقظت العروس.. على شتائم مشتعلة تخرج من مرجل نار قلب زوجها.. يلعن الاحتلال وما جرّه على العباد من شقاء وعذاب لا يحتمله سوى الجبارين.. جلست ومدّدت رجليها.. وحضنت رأس زوجها تضعه على فخذها: نمّ حبيبي.. أرح جسدك.. واحمد الله أننا وصلنا سالمين.. فالذي لم يمت برصاص العدو.. وقع من المركب ومات غريقا.. مضت أيام والوسادة فخذيّ الزوج والزوجة.. كل ينشد النوم ليتغلب على الليل الطويل .. ليدخل حقل عذاب الكوابيس مُعذب النفس تائها غريبا.. ليستيقظ الرجل متذمرا ساخطا على ما آل إليه حاله.. فالرجل كريم النفس عزيز. إلى أن بدأت وكالة الغوث توزع خيما على المُهجّرين.. وما زال الرجل ساخطا يُؤلمه فراق قصره الذي كان يشبه قصر السلاطين.